فقد حثنا الهدي النبوي على سعي الفرد إلى الخير له من سؤال الناس فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم: «لَأَنْ يَحْتَطِبَ أَحَدُكُمْ حُزْمَةً عَلَى ظَهْرِهِ، خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ أَحَدًا، فَيُعْطِيَهُ أَوْ يَمْنَعَهُ». ولقد أوصانا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعامل وحذرنا من إهدار حقه وبخس أجره، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه»، وفى هذا خير دليل على وجوب إعطاء العامل حقه دون بخسه. كذلك قوله صلى الله عليه وسلم: قال الله تعالى: «ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة: رجل أعطى بي ثم غدر، ورجل باع حرا فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيرا فاستوفى منه ولم يعطه أجره
والجدير بالذكر أن العمل في الإسلام عنصر أساسي، في بناء الدولة العصرية، إذا كان هذا العمل يستجيب لكل مطالب الحياة، ويستند إلى تخطيط علمي، والويل للقول إن لم يترجمه عمل، لأنه يصبح ثرثرة تشقى بها الأمة، لذلك قل كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم وكثر عمله وتعلم منه أصحابه أن يقللوا حجم الكلام
وإن للعمل في مجتمع الإسلام قيمة عليا، ومكانة الإنسان فيه تبرز من خلال عمله، نجد ذلك واضحاً في قوله تعالى: {ولكل درجات مما عملوا} فالآية تبرز قيمة العامل، ومن خلال آيات العمل الواردة في القرآن، نجد أنها تتناول نوع العمل، وكرامة العامل وحق العمل وأجر العمل وهدف العمل ووقته وإتقانه، ولذلك اعتبر الإسلام العمل عبادة لله كالصلاة، وما دام العمل عبادة، فإن العامل يحرسه ضميره المؤمن، بأن عليه رقيباً من داخله يذكره دائماً بربه، وهو ما يبرزه قوله تعالى: {وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون}
ولا قيمة للفرد في الإسلام، إذا تكلم ولم يفعل، لأن سرّ قوة الكلمة كامن في قوة الإيمان، بمدلول الكلمات لتحويل الكلمة المكتوبة إلى حركة حية، والمعنى المفهوم إلى واقع ملموس، فلا يقعد القادر على العمل، طمعاً في أن يؤدي واجبه بالكلام
ففي كثيرٍ من الأحيان، يصبح من العبث أن نتكلم ونتكلم ثم لا نفعل شيئا، لأن الكلمة لا يمكن أن تفعل شيئا، إلا إذا تحولت إلى فعل، والفعل لابد له من عقيدة لأن قوة الكلمة، إنما تنبع من أنها ترجمان العقيدة، وقد عاب الله على من يقولون ولا يفعلون قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون، كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون}
ولما للعمل من أهمية، فإن الإسلام يحرص على إقامة المجتمع القوي، الذي يأكل مما يزرع، والذي تتحقق فيه الكفاية في الإنتاج، من أجل توفير الحاجات الأساسية لأفراده، وتحقيق خلافتهم في أرض الله كما جاء في الحديث «إن الله يحب العبد المؤمن المحترف» فاليد الخشنة العاملة، يد يحبها الله ورسوله، ولا يمكن للأمة أن تكون خير أمة أخرجت للناس، إلا عن طريق العمل والإعداد، وبذل الجهد والسعي في الأرض قال سبحانه وتعالى: {هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور} ومن هنا كان للعمل في الإسلام قيمته وأهميته
إن أهم شيء تقوم عليه هذه الحياة، هو العمل فكل ميسر لما خلق له، والعمل في ذاته حركة، والحركة دليل الحياة، والسكون دليل الموت، فلا يمكن أن تستقيم حياة بغير عمل، ولا يمكن إن تنتظم حياتنا بغير عمل. فالنتق الله ونجمل في الطلب، ولا يحملن أحد منا استبطاء شيء من الرزق على أن نطلبه بمعصية الله تعالى فإن الله لا ينال ما عنده بمعصيته
بقلم الأستاذ/محمد حسين دحلان
باحث في الشريعة الإسلامية