ففي يوم الثلاثاء الماضي، عقدت إدارة المجموعة لقاءً تنسيقيًا مع دعاة وخطباء منطقة اتسندرا، ناقشوا فيه سبل التوفيق والإصلاح بين قريتي فناجو وفونامباداني، بعد أن شهدتا صدامًا مؤسفًا خلف عددًا من الجرحى في كلا الطرفين، وأدى إلى تخريب الممتلكات وزرع مشاعر الكراهية والبغضاء بين أبناء القريتين
وقد أثمر اللقاء عن قرار ميداني يقضي بتحرّك عدد من العلماء إلى القريتين هذا اليوم الجمعة، حيث سيصلون صلاة الجمعة هناك، وستُستغل المنابر لتوجيه رسائل النصح والإصلاح، والدعوة إلى التسامح ونبذ الفتنة. ونسأل الله تعالى أن يكلّل هذه الجهود المباركة بالتوفيق والسداد
وفي سياق متصل، عقدت المجموعة لقاءً آخر يوم الأربعاء في العاصمة موروني، خرجت على إثره ببيان رسمي يستنكر بشدّة أي محاولة من أي جهة كانت تهدف إلى المساس بوحدة الشعب القمري ووحدة الجزر الأربع، مؤكدة أن أي سعي لتقسيم هذه الوحدة الوطنية يعد خطرًا يجب الوقوف أمامه. كما أعرب البيان عن رفض المجموعة القاطع لمحاولات فرنسا إقامة قاعدة عسكرية في جزيرة مايوت، إضافة إلى مساعيها الرامية إلى إشراك مايوت في ألعاب دول المحيط الهندي ككيان مستقل عن اتحاد جزر القمر
إن هذه التحركات المباركة تدل بوضوح على أن علماء جزر القمر، وإن لم يمتلكوا سلطة تنفيذية، إلا أنهم يدركون مسؤوليتهم الكبرى في توجيه المجتمع وإصلاحه، استجابةً لنداء الدين، وقيامًا بواجب النصح والأمر بالمعروف
ولا يفوتنا في هذا السياق أن نذكّر بمكانة العلماء في الإسلام، حيث رفع الله سبحانه وتعالى من شأنهم، فقال في كتابه الكريم: ﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ
والعلماء هم من انطبقت عليهم الخيرية التي حددها النبي صلى الله عليه وآله وسلم في قوله من حديث مُعَاوِيَةَ رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: {مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْراً يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ}. لذلك يجب على العلماء والدعاة إلى الله سبحانه وتعالى أن يعرفوا أن لهم دور كبير في المجتمع ويجب عليهم أن يجتهدوا في تحقيق هذا الدور
وأهم هذا الدور هو تعزيز الإخاء بين المسلمين، والقضاء على ما يعترض سبيله ويوهن قوته؛ ذلك أنهم ورثة الأنبياء في التغيير والإصلاح، وهم دائماً حَمَلة مشاعل الهداية، وصِمَام الأمان للخَلق من الضلال والهلاك، بما يقومون به من جهود البيان والبلاغ، والنصح والإرشاد، والأخذ بأيدي الناس إلى صراط الله المستقيم. ويجدر بالعلماء والدعاة أن يضطلعوا في هذا الشأن بواجبات مهمة، منها
أن ينصحوا للمسلمين حكاماً ومحكومين، وأن يبينوا للجميع أهمية الأخوة الإسلامية، ومنزلتها من الشرع، وينبهوهم إلى خطورة شأنها وضرورتها، ويبينوا آثارها في حياة الأمة أفراداً ومجتمعات، وأن يذكِّروهم بكل ما من شأنه أن يُرغبهم في التمسك بأخوتهم والالتفاف حولها، ويحذرهم من إهمالها وتضييع حقوقها
ومن واجب العلماء والدعاة أن يعملوا على تعميق التدين الصحيح لدى جماهير المسلمين، حيث إن هذا الأمر يخدم قضية النهوض بالأخوة الإسلامية، ذلك أن شعائر الدين وتشريعاته تُقوي رابطة الإخاء في نفس المؤمن المتبع لدينه، المتمسك بشرائعه وشعائره، فإذا ما زكت روح التدين لدى المسلمين ازدهرت روح الأخوة، وثبتت دعائمها فيما بينهم
ومن هنا، فإن من واجبنا -نحن العلماء والدعاة- أن نصون ما حققه شيوخنا وعلماؤنا وقادتنا من مكاسب سياسية واجتماعية، تلك المكاسب التي حفظت وحدة جزر القمر، وواجهت مخططات الاستعمار بكافة الوسائل السلمية المتاحة في زمانهم
لقد أدّوا الأمانة وسلكوا سبيل الحكمة والثبات، وعلينا اليوم أن نكمل مسيرتهم بعزم لا يلين، ووعي لا يغفل، لنقف سدًّا منيعًا أمام كل مؤامرة تستهدف تمزيق جسد الأمة القمرية المسلمة أو النيل من وحدتها الوطنية
إننا على يقين بأن الله سبحانه وتعالى ناصرٌ لعباده إذا ما ثبتوا على الحق وتمسّكوا بالطريق القويم. فلنحمل مشعل الإصلاح، ولنجعل من صوتنا منارة ودرعًا لوحدة هذا الوطن العزيز
محمد حسين دحلان
باحث في الشريعة الإسلامية